مذكرات المعارض المستفز للكنيسة الذي اعترض الأقباط علي تعيينه في مجلس الشعب
عرفت البابا عندما كان متواضعا .. وكان يعتبر أكل الفول
إحدي شهوات النفس
جمال أسعد: أنا والبابا شنودة
من «الصداقة إلي الصدام»
البابا كان يأكل الفول وفي الوقت نفسه يطعم قرده الخاص «تفاح أمريكاني» كان يقع سليماً علي الأرض
لم يهنأ جمال أسعد السياسي والمعارض المصري - قبل أن يكون القبطي - بتعيينه نائبا في مجلس الشعب، بالقرار الجمهوري رقم 253 لسنة 2010، ضمن النواب العشرة المعينين، الذين كان من بينهم سبعة أقباط، فبدلا من أن يتلقي تهنئة الأقباط قابل سخطهم وغضبهم ولعنتهم، بل هناك من وصفه بأنه يهوذا العصر الحديث.
كان تعيين جمال أسعد مفاجأة للجميع بالفعل، كان هناك اعتقاد أن قائمة النواب المعينين من قبل الرئيس إذا ضمت أقباطا، فلابد أن يوافق عليهم البابا شنودة، لكن ما جري مع أسعد، جعل الجميع يتأكد أن ما قيل كان وهما كبيرا، لأن القائمة لو كانت عرضت علي البابا لرفض رفضا قاطعا تعيين أسعد.. وأسعد بالذات في مجلس الشعب.. فالبابا لا يعتبره معارضا له.. بل يتعامل معه علي أنه عدو.. وهو ما فهمه كل رجال البابا في كل كنائس مصر، وكان طبيعيا أن يمنع جمال أسعد من دخول الكنائس، رغم أنها بيوت الله لا بيوت البابا شنودة.
حالة الغضب القبطي علي جمال أسعد لا يعرف جذورها الكثيرون، لا يعرفون أسباب خلافه مع البابا، ولا لماذا تتخذ الكنيسة منه هذا الموقف الحاد العنيد.. وهو ما جعلني أفتش في أوراق جمال أسعد القديمة، فقبل عشر سنوات تقريبا أصدر أسعد كتابه "إني أعترف.. كواليس الكنيسة والأحزاب والإخوان المسلمين".. سجل فيها مذكراته في السياسة والصحافة.
في هذا الكتاب الذي صدر عن دار الخيال ونفدت طبعاته الأولي، كتب جمال أسعد فصلا مطولا عن علاقته بالبابا شنودة من الصداقة الحميمية والقرب الشديد إلي الصدام والعداء المطلق، كان عنوان الفصل موحيا ودالا :"قصتي مع البابا من البداية إلي النهاية"...فأسعد يقر بالفعل أن علاقته بالبابا انتهت، لكنه لا ينسي تسجيل هدفه من كتابة مذكراته.
الحكاية تحكي لنا لماذا يحظي جمال أسعد بكل هذه الكراهية.. وكل هذا العنف في الاعتراض علي تعيينه في مجلس الشعب.. وهذه فصول ما جري.
أول لقاء مع الأنبا شنودة
التقي جمال أسعد البابا شنودة عندما ذهب إليه في الكاتدرائية الكبري بالعباسية بصحبة القمص ميخائيل متي الذي كان أستاذا للبابا شنودة ولغيره من الأساقفة.
يقول أسعد:"ذات مرة ذهبت مجموعة من شباب القوصية مع القمص ميخائيل فاستقبلهم الأنبا شنودة أسقف التعليم وقتها، وكان يقدم لهم الفاكهة بنفسه ويذيب السكر في الشاي بيده، حين كان يتصف في تلك المرحلة بالشخصية المتواضعة جدا، التي تمارس التقشف إلي أبعد الحدود، حتي أنه عندما كان يصوم كان لا يأكل الفول المدمس، حيث إنه يحب الفول وكان يعتبر الفول الذي يحبه عندما يأكله فإنه يمارس إحدي شهوات النفس، رغم أن الفول يعتبر من الأكل الصائم لأنه نباتي".
ويسجل جمال أسعد سمة أخري من سمات البابا، ففي هذه الفترة لم يكن يحب أو يقبل أن يقبل أحد يده، وهي عادة يفعلها أغلب الأقباط كنوع من التكريم للكهنة من وجهة نظرهم، فكان هو لا يقبل تلك العادات، وكان يسحب يده سريعا من يد أي شخص يريد تقبيل يده.
كان الأنبا شنودة - كما يقول جمال أسعد: "في ذلك الوقت غاية في التواضع والروحانية، شديد التقشف مملوءاً بالمحبة الخالصة المستعدة للبذل من أجل الآخرين، وكان بذلك النموذج المفضل للشباب، حتي أنهم كانوا يلتفون حوله ويعشقونه، ويظهر هذا بشدة في لقائه الأسبوعي الذي كان يعقده كل يوم جمعة داخل البطريركية بالعباسية، وكان يقبل علي هذا الاجتماع أعداد غفيرة من الشباب، حتي إن البعض كانوا يطلقون علي محطة الأتوبيس القريبة من البطريركية بالعباسية اسم محطة الأنبا شنودة.. ولم يكن يخطر ببال أحد أن كل هذه التصرفات من قبل الأنبا شنودة كان يخفي وراءها مقاصد أخري".
تفاح أمريكاني تحت أقدام قرد البابا
تعددت زيارات أسعد للبابا، منها زيارته له بعد أن تصاعدت الأمور بين البابا شنودة والسادات، واعتكف البابا في دير الأنبا بيشوي، كان أسعد موفدا من حزب التجمع لتحديد موعد لمقابلة وفد من الحزب، إلا أن هذه المقابلة بين وفد الحزب والبابا لم تتم بسبب تصاعد الأمور بين السادات والبابا.
وعندما عزل السادات البابا، زاره أسعد، لكن هذه المرة بتصريح من وزارة الداخلية، حدث هذا في العام 1983، يقول أسعد عن هذه الزيارة:"كان لقاؤنا مع قداسة البابا عندما تم تقديم وجبة الغداء لنا، حيث تناولنا هذه الوجبة معا، وكان ذلك في أيام الصوم، فأكلنا طعاما يتكون من فول وطعمية، لكن كان أهم ما يميز المائدة هو وجود الفاكهة ذات الأصناف الراقية التي تدعو إلي الاستفزاز".
بدأ أسعد حوارا مع البابا منذ الساعة الثالثة عصرا ولم ينته إلا بعد منتصف الليل، لكن أهم ما دار بين الرجلين في الحوار، كان المشاهد التي تحدث عنها أسعد في الدير الذي عزل فيه البابا.
يقول:"جلست مع قداسة البابا أمام المقر البابوي الموجود بالدير، وكان يوجد أكثر من خمسة كلاب من سلالة راقية، يقوم البابا علي تربيتها، وكنت أجلس بجواره، بينما كان قداسته يستخدم أحد الكلاب القابعة بجواره للاتكاء عليه".
ويقول:"لم يتوقف الحديث بيننا إلا في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لتنتهي هذه الجلسة الممتدة، لنقوم بعد ذلك بالذهاب علي ضوء كلوب بسبب انقطاع التيار الكهربائي، لكي نشاهد «نسناس» قدمه أحد الزوار من دولة إفريقية هدية للبابا، وكان هذا القرد موضوعا في قفص ويقف بجوار القفص أحد الرهبان، الذي يحمل كرتونة تفاح أمريكاني مستورد، ويقوم البابا بمداعبة القرد ويلقي له بالتفاح، وقمت بالنظر في قاع القفص، فوجدت أن هناك أكثر من عشرة كيلو جرامات من هذا التفاح ملقاة في القاع، لأن الكميات التي كانت تقدم لهذا القرد أكبر بكثير من أن يلتهمها".
ويقول:"من المواقف الطريفة خلال هذه الزيارة، كان موقفا جعلني أشعر بفزع شديد، فلقد كنا جالسين بعد فترة راحة، وذلك نحو الساعة السادسة مساء، وكان هذا أمام المقر البابوي داخل الدير، حيث التقيت قداسة البابا مرة أخري، وفوجئت بمجموعة من الكلاب الضخمة جدا، تهجم علينا، فتملكني الرعب والفزع، خاصة أن أحد هذه الكلاب قام بالقفز برجليه علي كتفي، وعنئذ صاح البابا في هذا الكلب قائلا:ارجع يا ولد، فتراجعت الكلاب وسارت خلف البابا وظلت مصاحبة لنا خلال هذه الجلسة التي استمرت عدة ساعات، حيث ذهبنا بعد ذلك لتناول العشاء، وكان البابا يستخدم أحد هذه الكلاب كوسادة يتكئ عليها".
حوار صحفي أغضب البابا
في جريدة الشعب التي كان يكتب فيها جمال أسعد، أجري حوارا مع الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي، اختار جمال الأنبا غريغوريوس لأنه صاحب رأي وفكر متجدد ومميز، كان جمال وقتها عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب العمل الاشتراكي، نشر الحوار كاملا، وكان حديثا حول السياسة والكنيسة بل والعقيدة المسيحية أيضا، حتي أن وكالات الأنباء تناقلته وتناوله بعض الكتاب والسياسيين بالتعليق في مقالاتهم.
غضب البابا من حوار أسعد مع غريغوريوس، ونقلت الغضب عضوة بحزب العمل هي بهجة الراهب، قالت لجمال إن البابا غاضب بشدة، وعنفت جمال، الذي قال لها:"يا سيدتي نحن لا نعمل عند البابا، وليس من حقه أن يتدخل بالمنع أو التصريح بإجراء حديث صحفي مع هذا أو ذاك، رغم ذلك إذا كان لدي قداسة البابا تعليق علي ما تم نشره، عليه أن يرسل هذا التعليق وسوف ننشره".
تراجعت بهجة الراهب، وقالت لجمال إن البابا يريد مقابلتك، فقال لها إذا كانت المقابلة ستكون من خلال طريقتك هذه في التعامل، فإنني لن أقابل البابا"...وبالفعل تمت المقابلة.
يقول أسعد:"دخلت إلي البابا في مكتبه الساعة العاشرة مساء ووجدته ممسكا بملف به مجموعة من الأوراق التي اكتشفت أنها أوراق الحديث الصحفي الذي سبق أن أجريته مع الأنبا غريغوريوس كلمة.. كلمة، ويرد علي كل ما جاء بهذا الحديث، ليس من أجل تفنيد ما جاء به أو الرد عليه، ولكن كانت دهشتي وصدمتي أن هذا من أجل تسفيه كل ما قاله الأنبا غريغوريوس، ولم يترك شيئا في الحديث إلا قام بنقده والحط من قدره، لدرجة أن الأنبا غريغوريوس قال قي معرض حديثه معي أنه يجيد التحدث بخمس لغات، فوجدت أن البابا شنودة يقول: ماذا في هذا.. أنا أتحدث سبع لغات حية".
أجري أسعد الحوار مع البابا، لكنه فوجئ بأنه يقول له:"كيف تجري حوارا مع الأنبا غريغوريوس وهو شخص خائن وافق علي أن يكون أحد أعضاء اللجنة التي قام بتشكيلها السادات، عندما قام بعزلي ووضعي تحت التحفظ".
وكان لابد لأسعد أن يعلق، قال:"أحسست أن هناك صراعا غير عادي لا يليق بهذه القيادات الدينية، بل لا يليق إطلاقا أو يتفق مع أبسط مبادئ المسيحية وقوانين وأعراف الكنيسة، خاصة في ظل الوضع الروحي والخاص لهذه القيادات لدي النفوس، وفي تلك اللحظات شعرت بالاكتئاب والتعب النفسي الحقيقي، لقد سبب لي البابا بهذا التصرف الذي لا يليق به كقيادة روحية صدمة كبيرة جدا، لأنني كنت أتصور أن هذه القيادات الروحية أكبر بكثير جدا من مثل هذه التصرفات وأنها تترفع عن هذه الأفعال التي تتعارض مع الكتاب المقدس".
صفقات البابا السياسية والمالية
مع رفعت السعيد
توثقت علاقة جمال أسعد بالبابا، لكن أسعد كانت له آراؤه التي أغضبت البابا منه، وكانت هذه بداية النهاية، كان يري مثلا أن الكنيسة مسئولة مسئولية مباشرة عن الفتنة الطائفية، وهو ما اعتبره البابا شنودة نقدا شخصيا له، يفصل جمال ما جري.
يقول:"قمت بطرح هذا الرأي من خلال مقالات في الصحف، وكانت إضافاتي الجديدة أن ممارسة القيادة الكنسية باعتبارها زعامة كاريزمية (البابا شنودة) وسيطرتها الكاملة علي الأقباط من خلال استقطاب الكنيسة لهم وهجرتهم إليها، جعلها بديلا كاملا عن المجتمع، وهذا أشبع غرور البابا شنودة وجعله يشعر أنه زعيم سياسي لا يمثل الأقباط فقط دينيا، بل وسياسيا أيضا، وبالتالي اكتفي الأقباط بالتقوقع داخل أسوار الكنيسة واستغنوا عن المجتمع، مما تسبب في إصابتهم بداء السلبية الخطير، وأصبح الأقباط سلبيين تجاه المجتمع المصري، وهذا أدي إلي زيادة الاحتقان الطائفي اشتعالا".
وجد جمال أسعد صعوبة في نشر مقالاته في جريدة الأهالي، ويفسر هو ذلك بأن هناك:"علاقة خاصة بين البابا شنودة وحزب التجمع عن طريق رفعت السعيد أمين عام الحزب، وهذه العلاقة أري أنها غير طبيعية وغير صادقة، لأن د.رفعت السعيد وحزب التجمع اعتبرا أنفسهما حاميي حمي الأقباط في مصر والمدافعين الأولين عنهم، بل إنهما أحيانا كانا يعتبران المتحدث الرسمي باسم الأقباط، وهذا لا يخلو من مصلحة، تداخلت فيها الانتهازية السياسية مع الدين".
ويفصل أسعد ما أجمله بكلمة المصلحة، يقول:"هذه العلاقة المشبوهة كانت في شكل تبرعات وشيكات مالية تأتي لجريدة الأهالي ولحزب التجمع ولشخصيات بارزة أيضا من قبل أقباط المهجر، الذين كانوا يدعون كل أقباط العالم لقراءة جريدة الأهالي باعتبارها جريدة المسيحيين في مصر لا جريدة حزب من المفروض أنه اشتراكي تقدمي، ولم ينزعج حزب التجمع من هذا الوضع لكنه كان مستريحا تماما وراضيا لأنه كان المستفيد ماديا من وراء كل ذلك".
اعتبر جمال أسعد أن هذا كان سببا في بدء المغازلة المتبادلة بين البابا شنودة ود.رفعت السعيد، الذي تحدث مع أسعد بشكل مباشر وصريح، عندما كان في ذلك الوقت عضوا بالأمانة العامة لحزب التجمع، وقال له إنه لا يوافق علي ما يكتبه وإن الحزب لا يستطيع أن ينشر مقالاته، سأله أسعد: كيف تطلبون هذا من عضو في الأمانة العامة وأحد القيادات المؤسسة للحزب، وإذا تم إغلاق أبواب صحيفة الحزب أمام إحدي قياداته فماذا يحدث مع من أهم أقل في المستوي التنظيمي للحزب؟ وأين كل الديمقراطية والتقدمية التي يتحدث عنها الحزب ويتشدق بها ليل نهار؟
لم يكن هذا فقط ما لاقاه جمال أسعد في حزب التجمع، فعندما عقد الحزب مؤتمرا في الإسكندرية تحت شعار الوحدة الوطنية، كان مشاركا فيه خالد محيي الدين، وأبو العز الحريري، وكانت المفاجأة أن الكاهن الذي حضر، قال لجمال أسعد أن لديه تعليمات واضحة وصريحة من قبل البابا شنودة بأنه إذا حضر جمال أسعد فإنه يجب أن ينسحب من المؤتمر.
شهد أبو العز الحريري علي هذا الكلام، وأقنع الكاهن أن يتحدث في المؤتمر قبل جمال أسعد، ثم يعتذر ويطلب الانصراف لأي سبب، وبذلك يكون قد نفذ كلام البابا، وعندما نشر جمال أسعد هذا الكلام، كذبه أبو العز الحريري لأسباب انتخابية، وكانت المفاجأة أن الحزب حول جمال إلي التحقيق، وطالبه بالاعتذار للحريري، وهو ما جعله يطوي صفحة التجمع إلي الأبد.
ملف حقوق الإنسان بيني وبين البابا
هناك قضايا كثيرة اتفق فيها جمال أسعد مع البابا شنودة، منها مثلا موقف قداسته من زيارة القدس وتحريم قيام الأقباط بزيارة الأراضي المقدسة طالما كانت تحت الاحتلال الصهيوني، ويتفق معه في موقفه من القضية الفلسطنية بشكل عام.
لكن هناك قضايا أخري اختلف فيها جمال أسعد مع البابا، وهي جميعا قضايا متعلقة بحقوق الإنسان، يقول: "علي سبيل المثال قام قداسة البابا بمنع الصلاة علي جثمان القس الراحل إبراهيم عبد السيد بعد وفاته، إذ أصدر قرارا بهذا الشأن وهو في أمريكا في أول سبتمبر 1999، وهو الشيء الذي جعل أهله ومحبيه يتنقلون من كنيسة إلي أخري طوال أربع وعشرين ساعة متواصلة من أجل الصلاة علي جثمانه، حتي أن الكنيسة الإنجيلية بادرت من جانبها بالترحيب بالصلاة علي الجثمان، وذلك في كبري كنائس الطائفة الإنجيلية(كنيسة قصر الدوبارة بالقاهرة)، وهو الأمر الذي جعل الراهب أغاثون المقاري يقوم بالصلاة علي جثمان القس الراحل في كنيسة صغيرة توجد بمقابر أرض الجولف في مصر الجديدة، وكان هذا حفظا لكرامة القس، وخوفا علي تاريخ الكنيسة من أن يتحول إلي عصر تكفير وتهديد لكل من يبدي مجرد الرأي حول طريقة إدارة الكنيسة".
بحث جمال أسعد عما يؤكد وجهة نظره، فوجده في تصريحات الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس الذي صرح لمجلة المصور وقتها بأن الكنيسة تصر علي عدم الصلاة علي جثمان القس إبراهيم عبد السيد، بل ستقوم بمحاكمة الذين قاموا بالصلاة وستنظر في أمر العلمانيين المتعاطفين مع القس الراحل.
أما البابا شنودة، فقد كتب في مجلة الكرازة، أن القس ابراهيم عبد السيد قام بالكتابة معارضا إياه في الجرائد، وقام بتأليف كتاب "الإرهاب الكنسي"، وبالطبع عندما يضرب البابا مثلا بهذا الكتاب، فإنه يؤكد أن القس كان يختلف مع البابا في المواقف الشخصية، لكن قداسة البابا - كما يقول أسعد - اعتبر أن هذا خطأ من جانب القس الراحل ليس ضده هو ولكن ضد الله، ومن ثم فإن هذه الخطيئة ضد الله تحتاج إلي كفارة علنية وقوية، وأن القس لم يفعل ذلك، وظل القس خاطئا ومات خاطئا ولم يقدم توبة توجب الصلاة علي جثمانه.
هنا يقول أسعد ما يوجع البابا بالفعل:"وأقول من جانبي إنه مع احترامنا وتقديرنا لشخص البابا، لكن لم يحالفه الصواب في هذه القضية، لأنه بهذا القرار عمل علي استفزاز الرأي العام المصري والقبطي، بل الأساقفة والكهنة والخدام، الذين يؤيدون البابا في كل قراراته، كانوا في هذا القرار ظهورهم إلي الحائط ولا يملكون الدفاع عنه، لأنه بمنطق الأبوة المسيحية وبالعقيدة المسيحية، التي تحض علي الحب والتسامح، كان يجب أن يسامح البابا هذا القس لأنه لم يخطئ إلي الله تعالي، بل اختلف في الرأي مع قداسة البابا الذي كان باستطاعته أن يظهر أبوته المسيحية الحقيقة، التي طالما نادي بها ويقوم بإرسال مندوب عنه للصلاة علي جثمان القس الراحل، وبذلك تكون القيادة الكنسية قد ضربت المثل الحقيقي للأب المسيحي المحب والمتسامح علي مثال المسيح".
أعارض البابا.. ولا أخاصمه
لقد جعلوا من جمال أسعد عدوا للبابا شنودة، لكنه أوضح موقفه الذي لم يستمع له أحد.
يقول أسعد:"قد يبدو للبعض الآن أنني معارض للكنيسة، بل إنه في مرحلة من المراحل قام البعض بلصق هذه الصفة بي، لذلك أجد أنه من حقي أن أوضح أنني غير معارض للكنيسة بالمفهوم الديني، لأن مفهومي للمعارضة الكنسية هو معارضة الكنيسة بالمفهوم العقائدي والطقسي، لأن الكنيسة هي جماعة المؤمنين حسب التعبير والمفهوم المسيحي لها، أي أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي جماعة الذين يعتنقون المذهب الأرثوذكسي بمن فيهم قداسة البابا الذي يرأس الكنيسة، كذلك فإن الكنيسة - أي كنيسة- يكون مرجعها الكتاب المقدس وأقوال آباء الكنيسة الأولين، وبهذا التعريف وعلي ضوئه فأنا لست معارضا للكنيسة، لأنني لست معارضا للعقيدة والطقوس أو لجماعة المؤمنين ولست معارضا بالطبع للمرجعية الدينية بكل مصادرها".
ويكمل جمال اعترافه:"ولكن يبقي سؤال مهم وهو عن طبيعة موقفي الآن وما هو الدور الذي أقوم به"؟
ويجيب:"لقد جاء دوري وموقفي من خلال علاقتي بالبابا ومعرفتي بالكثير من القرارات الشخصية التي يتخذها البابا والخاصة بطريقة إدارته وعلي رأسها المواقف السياسية، التي يعلنها في جميع وسائل الإعلام، وكان من الطبيعي بل ومن حقي مثل أي مواطن أن يكون لي رأي سياسي، اقتنعت به وأدعو إليه دائما، وكانت قناعاتي ولا تزال أن المسيحيين المصريين هم جزء أصيل من مجموع الشعب المصري، بل وجزء أساسي من نسيج هذا الوطن، ولكن هذا الجزء من خلال علاقاته الخاصة بالكنيسة وأيضا من خلال منظوره الخاص للعلاقة مع المجتمع فرض عليه مواقف وعلاقات خاصة، بل ومناخا شديد الخصوصية، وهذا المناخ له حساسيات خاصة تحرك هذا الجزء من أبناء الوطن وهم الأقباط، وكان رجال الدين وما يعلنونه من أفكار وما يأتون به من تصرفات وسلوكيات، يؤثرون بشكل عام".
ويكمل أسعد حتي نهاية المطاف:"من هذا المنطلق كان واجبا علي أن أناقش وأحلل هذه الأفكار والسلوكيات التي تؤثر سلبيا في الأقباط، وعلي هذا الأساس، فإن أي قضية أناقشها خاصة تلك التي تؤثر في السياسة العامة للوطن، وتنسحب بالطبع علي العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر، وهذا لا يؤثر في التقدير والاحترام الواجب علي تجاه البابا شنودة كرئيس للكنيسة، وإن كان هذا التقدير والاحترام لا يجهض حقي كمواطن مصري وابن للكنيسة في أن أعلن رأيي في سياسات الكنيسة".
يتسق ما قاله ويقوله جمال أسعد مع ما أعلنه ردا علي هجمات الأقباط عليه بعد تعيينه نائبا في مجلس الشعب، فهل لا ولن يمثل الأقباط فقط؟ لأنه نائب لكل المصريين، وهي الأزمة التي لا يستطيع أن يستوعبها كثير من الأقباط، أو لنكن أكثر دقة.. لا يريد كثير من الأقباط أن يستوعبوها.
عرفت البابا عندما كان متواضعا .. وكان يعتبر أكل الفول
إحدي شهوات النفس
جمال أسعد: أنا والبابا شنودة
من «الصداقة إلي الصدام»
البابا كان يأكل الفول وفي الوقت نفسه يطعم قرده الخاص «تفاح أمريكاني» كان يقع سليماً علي الأرض
لم يهنأ جمال أسعد السياسي والمعارض المصري - قبل أن يكون القبطي - بتعيينه نائبا في مجلس الشعب، بالقرار الجمهوري رقم 253 لسنة 2010، ضمن النواب العشرة المعينين، الذين كان من بينهم سبعة أقباط، فبدلا من أن يتلقي تهنئة الأقباط قابل سخطهم وغضبهم ولعنتهم، بل هناك من وصفه بأنه يهوذا العصر الحديث.
كان تعيين جمال أسعد مفاجأة للجميع بالفعل، كان هناك اعتقاد أن قائمة النواب المعينين من قبل الرئيس إذا ضمت أقباطا، فلابد أن يوافق عليهم البابا شنودة، لكن ما جري مع أسعد، جعل الجميع يتأكد أن ما قيل كان وهما كبيرا، لأن القائمة لو كانت عرضت علي البابا لرفض رفضا قاطعا تعيين أسعد.. وأسعد بالذات في مجلس الشعب.. فالبابا لا يعتبره معارضا له.. بل يتعامل معه علي أنه عدو.. وهو ما فهمه كل رجال البابا في كل كنائس مصر، وكان طبيعيا أن يمنع جمال أسعد من دخول الكنائس، رغم أنها بيوت الله لا بيوت البابا شنودة.
حالة الغضب القبطي علي جمال أسعد لا يعرف جذورها الكثيرون، لا يعرفون أسباب خلافه مع البابا، ولا لماذا تتخذ الكنيسة منه هذا الموقف الحاد العنيد.. وهو ما جعلني أفتش في أوراق جمال أسعد القديمة، فقبل عشر سنوات تقريبا أصدر أسعد كتابه "إني أعترف.. كواليس الكنيسة والأحزاب والإخوان المسلمين".. سجل فيها مذكراته في السياسة والصحافة.
في هذا الكتاب الذي صدر عن دار الخيال ونفدت طبعاته الأولي، كتب جمال أسعد فصلا مطولا عن علاقته بالبابا شنودة من الصداقة الحميمية والقرب الشديد إلي الصدام والعداء المطلق، كان عنوان الفصل موحيا ودالا :"قصتي مع البابا من البداية إلي النهاية"...فأسعد يقر بالفعل أن علاقته بالبابا انتهت، لكنه لا ينسي تسجيل هدفه من كتابة مذكراته.
الحكاية تحكي لنا لماذا يحظي جمال أسعد بكل هذه الكراهية.. وكل هذا العنف في الاعتراض علي تعيينه في مجلس الشعب.. وهذه فصول ما جري.
أول لقاء مع الأنبا شنودة
التقي جمال أسعد البابا شنودة عندما ذهب إليه في الكاتدرائية الكبري بالعباسية بصحبة القمص ميخائيل متي الذي كان أستاذا للبابا شنودة ولغيره من الأساقفة.
يقول أسعد:"ذات مرة ذهبت مجموعة من شباب القوصية مع القمص ميخائيل فاستقبلهم الأنبا شنودة أسقف التعليم وقتها، وكان يقدم لهم الفاكهة بنفسه ويذيب السكر في الشاي بيده، حين كان يتصف في تلك المرحلة بالشخصية المتواضعة جدا، التي تمارس التقشف إلي أبعد الحدود، حتي أنه عندما كان يصوم كان لا يأكل الفول المدمس، حيث إنه يحب الفول وكان يعتبر الفول الذي يحبه عندما يأكله فإنه يمارس إحدي شهوات النفس، رغم أن الفول يعتبر من الأكل الصائم لأنه نباتي".
ويسجل جمال أسعد سمة أخري من سمات البابا، ففي هذه الفترة لم يكن يحب أو يقبل أن يقبل أحد يده، وهي عادة يفعلها أغلب الأقباط كنوع من التكريم للكهنة من وجهة نظرهم، فكان هو لا يقبل تلك العادات، وكان يسحب يده سريعا من يد أي شخص يريد تقبيل يده.
كان الأنبا شنودة - كما يقول جمال أسعد: "في ذلك الوقت غاية في التواضع والروحانية، شديد التقشف مملوءاً بالمحبة الخالصة المستعدة للبذل من أجل الآخرين، وكان بذلك النموذج المفضل للشباب، حتي أنهم كانوا يلتفون حوله ويعشقونه، ويظهر هذا بشدة في لقائه الأسبوعي الذي كان يعقده كل يوم جمعة داخل البطريركية بالعباسية، وكان يقبل علي هذا الاجتماع أعداد غفيرة من الشباب، حتي إن البعض كانوا يطلقون علي محطة الأتوبيس القريبة من البطريركية بالعباسية اسم محطة الأنبا شنودة.. ولم يكن يخطر ببال أحد أن كل هذه التصرفات من قبل الأنبا شنودة كان يخفي وراءها مقاصد أخري".
تفاح أمريكاني تحت أقدام قرد البابا
تعددت زيارات أسعد للبابا، منها زيارته له بعد أن تصاعدت الأمور بين البابا شنودة والسادات، واعتكف البابا في دير الأنبا بيشوي، كان أسعد موفدا من حزب التجمع لتحديد موعد لمقابلة وفد من الحزب، إلا أن هذه المقابلة بين وفد الحزب والبابا لم تتم بسبب تصاعد الأمور بين السادات والبابا.
وعندما عزل السادات البابا، زاره أسعد، لكن هذه المرة بتصريح من وزارة الداخلية، حدث هذا في العام 1983، يقول أسعد عن هذه الزيارة:"كان لقاؤنا مع قداسة البابا عندما تم تقديم وجبة الغداء لنا، حيث تناولنا هذه الوجبة معا، وكان ذلك في أيام الصوم، فأكلنا طعاما يتكون من فول وطعمية، لكن كان أهم ما يميز المائدة هو وجود الفاكهة ذات الأصناف الراقية التي تدعو إلي الاستفزاز".
بدأ أسعد حوارا مع البابا منذ الساعة الثالثة عصرا ولم ينته إلا بعد منتصف الليل، لكن أهم ما دار بين الرجلين في الحوار، كان المشاهد التي تحدث عنها أسعد في الدير الذي عزل فيه البابا.
يقول:"جلست مع قداسة البابا أمام المقر البابوي الموجود بالدير، وكان يوجد أكثر من خمسة كلاب من سلالة راقية، يقوم البابا علي تربيتها، وكنت أجلس بجواره، بينما كان قداسته يستخدم أحد الكلاب القابعة بجواره للاتكاء عليه".
ويقول:"لم يتوقف الحديث بيننا إلا في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لتنتهي هذه الجلسة الممتدة، لنقوم بعد ذلك بالذهاب علي ضوء كلوب بسبب انقطاع التيار الكهربائي، لكي نشاهد «نسناس» قدمه أحد الزوار من دولة إفريقية هدية للبابا، وكان هذا القرد موضوعا في قفص ويقف بجوار القفص أحد الرهبان، الذي يحمل كرتونة تفاح أمريكاني مستورد، ويقوم البابا بمداعبة القرد ويلقي له بالتفاح، وقمت بالنظر في قاع القفص، فوجدت أن هناك أكثر من عشرة كيلو جرامات من هذا التفاح ملقاة في القاع، لأن الكميات التي كانت تقدم لهذا القرد أكبر بكثير من أن يلتهمها".
ويقول:"من المواقف الطريفة خلال هذه الزيارة، كان موقفا جعلني أشعر بفزع شديد، فلقد كنا جالسين بعد فترة راحة، وذلك نحو الساعة السادسة مساء، وكان هذا أمام المقر البابوي داخل الدير، حيث التقيت قداسة البابا مرة أخري، وفوجئت بمجموعة من الكلاب الضخمة جدا، تهجم علينا، فتملكني الرعب والفزع، خاصة أن أحد هذه الكلاب قام بالقفز برجليه علي كتفي، وعنئذ صاح البابا في هذا الكلب قائلا:ارجع يا ولد، فتراجعت الكلاب وسارت خلف البابا وظلت مصاحبة لنا خلال هذه الجلسة التي استمرت عدة ساعات، حيث ذهبنا بعد ذلك لتناول العشاء، وكان البابا يستخدم أحد هذه الكلاب كوسادة يتكئ عليها".
حوار صحفي أغضب البابا
في جريدة الشعب التي كان يكتب فيها جمال أسعد، أجري حوارا مع الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي، اختار جمال الأنبا غريغوريوس لأنه صاحب رأي وفكر متجدد ومميز، كان جمال وقتها عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب العمل الاشتراكي، نشر الحوار كاملا، وكان حديثا حول السياسة والكنيسة بل والعقيدة المسيحية أيضا، حتي أن وكالات الأنباء تناقلته وتناوله بعض الكتاب والسياسيين بالتعليق في مقالاتهم.
غضب البابا من حوار أسعد مع غريغوريوس، ونقلت الغضب عضوة بحزب العمل هي بهجة الراهب، قالت لجمال إن البابا غاضب بشدة، وعنفت جمال، الذي قال لها:"يا سيدتي نحن لا نعمل عند البابا، وليس من حقه أن يتدخل بالمنع أو التصريح بإجراء حديث صحفي مع هذا أو ذاك، رغم ذلك إذا كان لدي قداسة البابا تعليق علي ما تم نشره، عليه أن يرسل هذا التعليق وسوف ننشره".
تراجعت بهجة الراهب، وقالت لجمال إن البابا يريد مقابلتك، فقال لها إذا كانت المقابلة ستكون من خلال طريقتك هذه في التعامل، فإنني لن أقابل البابا"...وبالفعل تمت المقابلة.
يقول أسعد:"دخلت إلي البابا في مكتبه الساعة العاشرة مساء ووجدته ممسكا بملف به مجموعة من الأوراق التي اكتشفت أنها أوراق الحديث الصحفي الذي سبق أن أجريته مع الأنبا غريغوريوس كلمة.. كلمة، ويرد علي كل ما جاء بهذا الحديث، ليس من أجل تفنيد ما جاء به أو الرد عليه، ولكن كانت دهشتي وصدمتي أن هذا من أجل تسفيه كل ما قاله الأنبا غريغوريوس، ولم يترك شيئا في الحديث إلا قام بنقده والحط من قدره، لدرجة أن الأنبا غريغوريوس قال قي معرض حديثه معي أنه يجيد التحدث بخمس لغات، فوجدت أن البابا شنودة يقول: ماذا في هذا.. أنا أتحدث سبع لغات حية".
أجري أسعد الحوار مع البابا، لكنه فوجئ بأنه يقول له:"كيف تجري حوارا مع الأنبا غريغوريوس وهو شخص خائن وافق علي أن يكون أحد أعضاء اللجنة التي قام بتشكيلها السادات، عندما قام بعزلي ووضعي تحت التحفظ".
وكان لابد لأسعد أن يعلق، قال:"أحسست أن هناك صراعا غير عادي لا يليق بهذه القيادات الدينية، بل لا يليق إطلاقا أو يتفق مع أبسط مبادئ المسيحية وقوانين وأعراف الكنيسة، خاصة في ظل الوضع الروحي والخاص لهذه القيادات لدي النفوس، وفي تلك اللحظات شعرت بالاكتئاب والتعب النفسي الحقيقي، لقد سبب لي البابا بهذا التصرف الذي لا يليق به كقيادة روحية صدمة كبيرة جدا، لأنني كنت أتصور أن هذه القيادات الروحية أكبر بكثير جدا من مثل هذه التصرفات وأنها تترفع عن هذه الأفعال التي تتعارض مع الكتاب المقدس".
صفقات البابا السياسية والمالية
مع رفعت السعيد
توثقت علاقة جمال أسعد بالبابا، لكن أسعد كانت له آراؤه التي أغضبت البابا منه، وكانت هذه بداية النهاية، كان يري مثلا أن الكنيسة مسئولة مسئولية مباشرة عن الفتنة الطائفية، وهو ما اعتبره البابا شنودة نقدا شخصيا له، يفصل جمال ما جري.
يقول:"قمت بطرح هذا الرأي من خلال مقالات في الصحف، وكانت إضافاتي الجديدة أن ممارسة القيادة الكنسية باعتبارها زعامة كاريزمية (البابا شنودة) وسيطرتها الكاملة علي الأقباط من خلال استقطاب الكنيسة لهم وهجرتهم إليها، جعلها بديلا كاملا عن المجتمع، وهذا أشبع غرور البابا شنودة وجعله يشعر أنه زعيم سياسي لا يمثل الأقباط فقط دينيا، بل وسياسيا أيضا، وبالتالي اكتفي الأقباط بالتقوقع داخل أسوار الكنيسة واستغنوا عن المجتمع، مما تسبب في إصابتهم بداء السلبية الخطير، وأصبح الأقباط سلبيين تجاه المجتمع المصري، وهذا أدي إلي زيادة الاحتقان الطائفي اشتعالا".
وجد جمال أسعد صعوبة في نشر مقالاته في جريدة الأهالي، ويفسر هو ذلك بأن هناك:"علاقة خاصة بين البابا شنودة وحزب التجمع عن طريق رفعت السعيد أمين عام الحزب، وهذه العلاقة أري أنها غير طبيعية وغير صادقة، لأن د.رفعت السعيد وحزب التجمع اعتبرا أنفسهما حاميي حمي الأقباط في مصر والمدافعين الأولين عنهم، بل إنهما أحيانا كانا يعتبران المتحدث الرسمي باسم الأقباط، وهذا لا يخلو من مصلحة، تداخلت فيها الانتهازية السياسية مع الدين".
ويفصل أسعد ما أجمله بكلمة المصلحة، يقول:"هذه العلاقة المشبوهة كانت في شكل تبرعات وشيكات مالية تأتي لجريدة الأهالي ولحزب التجمع ولشخصيات بارزة أيضا من قبل أقباط المهجر، الذين كانوا يدعون كل أقباط العالم لقراءة جريدة الأهالي باعتبارها جريدة المسيحيين في مصر لا جريدة حزب من المفروض أنه اشتراكي تقدمي، ولم ينزعج حزب التجمع من هذا الوضع لكنه كان مستريحا تماما وراضيا لأنه كان المستفيد ماديا من وراء كل ذلك".
اعتبر جمال أسعد أن هذا كان سببا في بدء المغازلة المتبادلة بين البابا شنودة ود.رفعت السعيد، الذي تحدث مع أسعد بشكل مباشر وصريح، عندما كان في ذلك الوقت عضوا بالأمانة العامة لحزب التجمع، وقال له إنه لا يوافق علي ما يكتبه وإن الحزب لا يستطيع أن ينشر مقالاته، سأله أسعد: كيف تطلبون هذا من عضو في الأمانة العامة وأحد القيادات المؤسسة للحزب، وإذا تم إغلاق أبواب صحيفة الحزب أمام إحدي قياداته فماذا يحدث مع من أهم أقل في المستوي التنظيمي للحزب؟ وأين كل الديمقراطية والتقدمية التي يتحدث عنها الحزب ويتشدق بها ليل نهار؟
لم يكن هذا فقط ما لاقاه جمال أسعد في حزب التجمع، فعندما عقد الحزب مؤتمرا في الإسكندرية تحت شعار الوحدة الوطنية، كان مشاركا فيه خالد محيي الدين، وأبو العز الحريري، وكانت المفاجأة أن الكاهن الذي حضر، قال لجمال أسعد أن لديه تعليمات واضحة وصريحة من قبل البابا شنودة بأنه إذا حضر جمال أسعد فإنه يجب أن ينسحب من المؤتمر.
شهد أبو العز الحريري علي هذا الكلام، وأقنع الكاهن أن يتحدث في المؤتمر قبل جمال أسعد، ثم يعتذر ويطلب الانصراف لأي سبب، وبذلك يكون قد نفذ كلام البابا، وعندما نشر جمال أسعد هذا الكلام، كذبه أبو العز الحريري لأسباب انتخابية، وكانت المفاجأة أن الحزب حول جمال إلي التحقيق، وطالبه بالاعتذار للحريري، وهو ما جعله يطوي صفحة التجمع إلي الأبد.
ملف حقوق الإنسان بيني وبين البابا
هناك قضايا كثيرة اتفق فيها جمال أسعد مع البابا شنودة، منها مثلا موقف قداسته من زيارة القدس وتحريم قيام الأقباط بزيارة الأراضي المقدسة طالما كانت تحت الاحتلال الصهيوني، ويتفق معه في موقفه من القضية الفلسطنية بشكل عام.
لكن هناك قضايا أخري اختلف فيها جمال أسعد مع البابا، وهي جميعا قضايا متعلقة بحقوق الإنسان، يقول: "علي سبيل المثال قام قداسة البابا بمنع الصلاة علي جثمان القس الراحل إبراهيم عبد السيد بعد وفاته، إذ أصدر قرارا بهذا الشأن وهو في أمريكا في أول سبتمبر 1999، وهو الشيء الذي جعل أهله ومحبيه يتنقلون من كنيسة إلي أخري طوال أربع وعشرين ساعة متواصلة من أجل الصلاة علي جثمانه، حتي أن الكنيسة الإنجيلية بادرت من جانبها بالترحيب بالصلاة علي الجثمان، وذلك في كبري كنائس الطائفة الإنجيلية(كنيسة قصر الدوبارة بالقاهرة)، وهو الأمر الذي جعل الراهب أغاثون المقاري يقوم بالصلاة علي جثمان القس الراحل في كنيسة صغيرة توجد بمقابر أرض الجولف في مصر الجديدة، وكان هذا حفظا لكرامة القس، وخوفا علي تاريخ الكنيسة من أن يتحول إلي عصر تكفير وتهديد لكل من يبدي مجرد الرأي حول طريقة إدارة الكنيسة".
بحث جمال أسعد عما يؤكد وجهة نظره، فوجده في تصريحات الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس الذي صرح لمجلة المصور وقتها بأن الكنيسة تصر علي عدم الصلاة علي جثمان القس إبراهيم عبد السيد، بل ستقوم بمحاكمة الذين قاموا بالصلاة وستنظر في أمر العلمانيين المتعاطفين مع القس الراحل.
أما البابا شنودة، فقد كتب في مجلة الكرازة، أن القس ابراهيم عبد السيد قام بالكتابة معارضا إياه في الجرائد، وقام بتأليف كتاب "الإرهاب الكنسي"، وبالطبع عندما يضرب البابا مثلا بهذا الكتاب، فإنه يؤكد أن القس كان يختلف مع البابا في المواقف الشخصية، لكن قداسة البابا - كما يقول أسعد - اعتبر أن هذا خطأ من جانب القس الراحل ليس ضده هو ولكن ضد الله، ومن ثم فإن هذه الخطيئة ضد الله تحتاج إلي كفارة علنية وقوية، وأن القس لم يفعل ذلك، وظل القس خاطئا ومات خاطئا ولم يقدم توبة توجب الصلاة علي جثمانه.
هنا يقول أسعد ما يوجع البابا بالفعل:"وأقول من جانبي إنه مع احترامنا وتقديرنا لشخص البابا، لكن لم يحالفه الصواب في هذه القضية، لأنه بهذا القرار عمل علي استفزاز الرأي العام المصري والقبطي، بل الأساقفة والكهنة والخدام، الذين يؤيدون البابا في كل قراراته، كانوا في هذا القرار ظهورهم إلي الحائط ولا يملكون الدفاع عنه، لأنه بمنطق الأبوة المسيحية وبالعقيدة المسيحية، التي تحض علي الحب والتسامح، كان يجب أن يسامح البابا هذا القس لأنه لم يخطئ إلي الله تعالي، بل اختلف في الرأي مع قداسة البابا الذي كان باستطاعته أن يظهر أبوته المسيحية الحقيقة، التي طالما نادي بها ويقوم بإرسال مندوب عنه للصلاة علي جثمان القس الراحل، وبذلك تكون القيادة الكنسية قد ضربت المثل الحقيقي للأب المسيحي المحب والمتسامح علي مثال المسيح".
أعارض البابا.. ولا أخاصمه
لقد جعلوا من جمال أسعد عدوا للبابا شنودة، لكنه أوضح موقفه الذي لم يستمع له أحد.
يقول أسعد:"قد يبدو للبعض الآن أنني معارض للكنيسة، بل إنه في مرحلة من المراحل قام البعض بلصق هذه الصفة بي، لذلك أجد أنه من حقي أن أوضح أنني غير معارض للكنيسة بالمفهوم الديني، لأن مفهومي للمعارضة الكنسية هو معارضة الكنيسة بالمفهوم العقائدي والطقسي، لأن الكنيسة هي جماعة المؤمنين حسب التعبير والمفهوم المسيحي لها، أي أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي جماعة الذين يعتنقون المذهب الأرثوذكسي بمن فيهم قداسة البابا الذي يرأس الكنيسة، كذلك فإن الكنيسة - أي كنيسة- يكون مرجعها الكتاب المقدس وأقوال آباء الكنيسة الأولين، وبهذا التعريف وعلي ضوئه فأنا لست معارضا للكنيسة، لأنني لست معارضا للعقيدة والطقوس أو لجماعة المؤمنين ولست معارضا بالطبع للمرجعية الدينية بكل مصادرها".
ويكمل جمال اعترافه:"ولكن يبقي سؤال مهم وهو عن طبيعة موقفي الآن وما هو الدور الذي أقوم به"؟
ويجيب:"لقد جاء دوري وموقفي من خلال علاقتي بالبابا ومعرفتي بالكثير من القرارات الشخصية التي يتخذها البابا والخاصة بطريقة إدارته وعلي رأسها المواقف السياسية، التي يعلنها في جميع وسائل الإعلام، وكان من الطبيعي بل ومن حقي مثل أي مواطن أن يكون لي رأي سياسي، اقتنعت به وأدعو إليه دائما، وكانت قناعاتي ولا تزال أن المسيحيين المصريين هم جزء أصيل من مجموع الشعب المصري، بل وجزء أساسي من نسيج هذا الوطن، ولكن هذا الجزء من خلال علاقاته الخاصة بالكنيسة وأيضا من خلال منظوره الخاص للعلاقة مع المجتمع فرض عليه مواقف وعلاقات خاصة، بل ومناخا شديد الخصوصية، وهذا المناخ له حساسيات خاصة تحرك هذا الجزء من أبناء الوطن وهم الأقباط، وكان رجال الدين وما يعلنونه من أفكار وما يأتون به من تصرفات وسلوكيات، يؤثرون بشكل عام".
ويكمل أسعد حتي نهاية المطاف:"من هذا المنطلق كان واجبا علي أن أناقش وأحلل هذه الأفكار والسلوكيات التي تؤثر سلبيا في الأقباط، وعلي هذا الأساس، فإن أي قضية أناقشها خاصة تلك التي تؤثر في السياسة العامة للوطن، وتنسحب بالطبع علي العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر، وهذا لا يؤثر في التقدير والاحترام الواجب علي تجاه البابا شنودة كرئيس للكنيسة، وإن كان هذا التقدير والاحترام لا يجهض حقي كمواطن مصري وابن للكنيسة في أن أعلن رأيي في سياسات الكنيسة".
يتسق ما قاله ويقوله جمال أسعد مع ما أعلنه ردا علي هجمات الأقباط عليه بعد تعيينه نائبا في مجلس الشعب، فهل لا ولن يمثل الأقباط فقط؟ لأنه نائب لكل المصريين، وهي الأزمة التي لا يستطيع أن يستوعبها كثير من الأقباط، أو لنكن أكثر دقة.. لا يريد كثير من الأقباط أن يستوعبوها.